روائع مختارة | بنك الاستشارات | استشارات تربوية واجتماعية | أعصي الله كل يوم.. ثم أعود أندم!!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > بنك الاستشارات > استشارات تربوية واجتماعية > أعصي الله كل يوم.. ثم أعود أندم!!


  أعصي الله كل يوم.. ثم أعود أندم!!
     عدد مرات المشاهدة: 3043        عدد مرات الإرسال: 0

السؤال:

أعاني عند دخولي لموقع النت، وخصوصا اليوتيوب أشاهد الصور أو المقاطع المحرمة بشهوة وتلهف، ثم تحثني نفسي أن الله يراقبني، ولكن للأسف الشهوة غطت عقلي وجعلتني أبحث أكثر على تلك الصور الخليعة. علما أني طالب بكلية الهندسة في السنة الأخيرة وملتزم مستقيم. فكيف السبيل للتخلص من تلك المصيبة؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم.

جزاك الله خيرًا أخي الكريم على ثقتك الكبيرة في موقع (المسلم) ومستشاريه، ونسأل الله أن يرفع عنك وعن كل مسلم هذا البلاء وأشباهه..

وبعد أخي الكريم:

لقد كثُرت الأسئلة حول هذا الذنب وخاصة بين الملتزمين المبتلين بهذا البلاء أو بمثله، والحق أن معظم المربين والموجهين والمستشارين يجيبون دائما على هذا التساؤل بردود تتشابه فيما بينها، تبدأ ببيان الأدلة الشرعية الدالة على عظم هذا الذنب وخطورته وعلى عقوبته في الدنيا والآخرة عند الله سبحانه ثم ينصحون إخوانهم المبتلين بعض النصائح التي تحول بينهم وبين تيسير سبل ارتكاب هذا المنكر مثل عدم الخلوة بجهاز الحاسب وتقليل الوقت أمامه وأن يتذكروا مراقبة الله سبحانه لهم واطلاعه على أفعالهم.

واللافت للنظر أن كل السائلين الملتزمين- وخاصة من يراسل المواقع الإسلامية- يعرفون الحكم الشرعي لهذا الفعل تماما، وإذا سألهم سائل عن هذا الفعل قد يجيبونه بنفس الردود ولكنهم- رغم ذلك- مستمرون في الوقوع فيه بل ويخشون أشد الخشية أن يقبضهم الله عليه ويدعون الله كثيرًا بأن يعيذهم من ذلك، ومن ثم يتوبون بعدها لله سبحانه منه ويبكون ويتضرعون بين يديه أن يغفر لهم هذا الذنب ويعزمون على عدم العودة إليه.. ثم تراهم بعد فترة يسيرة وما إن يتمكنوا من الحاسب أو يخلوا به إذا بهم يقعون في نفس الفعل بسرعة عجيبة.

وبعد كثير من التأمل في تلك المصيبة ووقوعها من كثير من الفضلاء المشهود لهم بالصلاح بقدر ما يراه الناس من ظاهرهم وبما يعلمونه عنهم من حسن السيرة والحرص على الطاعات!!!... كان لزاما أن نتساءل بعض التساؤلات ونضع هذا الفعل على مائدة البحث الدقيق والمتأني لعلنا نخرج بنتائج تساهم في المعالجة الفعلية والحقيقية لهذا الذنب، ومن هذه التساؤلات:

- هل كل من يقع في هذا الذنب من الملتزمين لا يعلمون الحكم الشرعي له وهل يخفى عليهم حرمته الكبيرة؟

لاشك أن معظمهم- إن لم يكن كلهم- يعلمون يقينا حرمة هذا الذنب ويعلمون أن ربهم سبحانه يغضب على فاعل هذه المعصية ويعلمون أنهم لحظة وقوعهم فيها في عداد العصاة المبارزين الله بالمعصية وأنهم من الذين ينتهكون محارم الله إذا ما خلوا بها ويعلمون أنهم معرضون لأن تكون حسناتهم هباء منثورا حتى لو كانت مثل جبال تهامة بيضاء كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم

- هل كل من يقع في هذا البلاء من الشباب الأحداث الغير محصنين؟ أم من غيرهم أيضا؟

للأسف لا يقع فيه الأحداث وصغار السن وغير المحصنين وحدهم....فقد يكون هناك فهم لسبب وقوع الغير محصن في ذلك لوجود الرغبة القوية عندهم والشهوة الشديدة مع وجود تلك المثيرات التي تعج بها الأسواق والشوارع والفضائيات وذلك مع ارتفاع سن الزواج لأسباب كثيرة- ليست مجالا لبحثنا الآن- لكن الغير مفهوم وقوع ذلك الفعل من كثير من المتزوجين والمحصنين الذين نجدهم يجاهدون أنفسهم أشد الجهاد ويعانون أشد المعاناة للتخلص منها فمنهم من يوفقه الله لذلك ومنهم من يضعف.

- هل يقترن مع هذه الفعلة أخلاق وأفعال سيئة أخرى تجرها عليهم تلك المصيبة؟

أيضا لا تلازم فمنهم من تقوده تلك المشاهد إلى محرمات كالكبائر..... والأكثرية من الملتزمين من يقعون في تلك الفتنة وحدها ولا يحدثون أحدا بها ولا يدافعون عن فاعلها ولا يجدون له عذرا ولا يسمحون بذيوعها وانتشارها، ويكون إنكارهم على فاعلها على استحياء لأنهم يشعرون في قرارة أنفسهم أنهم واقعون فيها وأن ضعفهم يقيد حركتهم في مواجهتها ويشعرون بانكسار داخلي بسبب عدم قدرتهم على التخلص منها.

- وبعد هذا التأمل في دقائقها يتعين علينا أن نجيب على سؤال ربما يكون أكثر أهمية مما سبق وهو: هل هذا الفعل- وهو مشاهدة الصور المحرمة والمشاهد الفاضحة على القنوات أو عبر الانترنت- مرض بذاته أم عرض جانبي لمرض آخر؟.. فربما كان عرضا جانبيا لمرض آخر، والمربون مثلهم مثل الأطباء تماما قد يعالجون العرض على أنه مرض ويصفون الدواء له فيسكن الألم، وما يلبث المريض بعد أن يسكن الإحساس بالألم منه أياما حتى يعاوده مرة أخرى نظرا لوجود أصل المرض الذي لم يُعالج ولم يمسه أحد بمبضع الجراح الحاذق، ويعود الإنسان بعدها لنفس الفعل ويكرر نفس الدورة المقيتة.

وأرى- والله أعلم- بعد مزيد من الانشغال بهذا الأمر لكثرة الأسئلة فيه أن مشاهدة تلك المحرمات ما هي إلا عرض جانبي لمرض فتاك آخر، ألا وهو: الفراغ..

فالفراغ قاتل لكل المواهب محطم لها وباعث على الكثير من المساوئ الخلقية والنفسية، وقد أمر الله عز وجل خير خلقه صلى الله عليه وسلم بألا يدع نفسه للفراغ فقال له {فإذا فرغت فانصب} وجاء في تفسير القرطبي لهذه الآية: (والفراغ هنا لا يعني البطالة عن العمل، أو الانتهاء من أي سلوك يقوم به الإنسان. لا، بل هو الفراغ من أمر كان المرء منشغلا به في الاهتمام الأول، فإذا فرغ منه تفرغ إلى غيره، فحياة المسلم ليس فيها فراغ بمعنى العدم ولا شيء بل فيها أنواع، ويملؤه الإنسان بالخير وبالعمل الصالح)، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: إني لأمقت أن أرى الرجل فارغًا لا في عمل دنيا ولا آخرة، ولعل سبب مقت ابن مسعود للفراغ وأهله ما قاله صاحب الكشاف: (فقعود الرجل فارغًا من غير شغل، أو اشتغاله بما لا يعينه في دينه أو دنياه من سفه الرأي، وسخافة العقل، واستيلاء الغفلة)، ومعلوم أنه إذا استولت الغفلة على الإنسان وقع في تلك المحاذير والذنوب ولا يستطيع الكف عنها ولا الخروج من شرنقتها.

والفراغ نوعان إما فراغ وقت أو فراغ همة: فقد يجد الإنسان فراغ وقت لا يعمل فيه عملا من عمل الدنيا ولا الآخرة فيقوده ذلك الفراغ إلى الفضول لملئ الوقت بأي شيء وهنا يصير صيدا سهلا للشيطان لكي يقوده في كل المسالك الخبيثة.. وما أكثرها، وإما أن يكون عنده فراغ في الهمة فلا يكترث بالهموم الكبيرة لأمته أو حتى لنفسه فلا يضع لنفسه هدفا كبيرا ليبلغه فيصير كالريشة في مهب الريح تتقاذفه حيث تشاء.

ولهذا فلن تكون كل هذه المحاولات التي ينصح بها المربون أو التي يقوم بها الإنسان لعلاج نفسه من النظر لتلك المحرمات إلا مسكنات فقط تخفف من آلام العرض وسيظل المرض قائما حتى يتم البحث فيه والتوصل لعلاج له.

والحل كما أراه- والله أعلم- بالانشغال بالأمور الكبيرة التي تستولي على العقل والذهن والتفكير ولا تترك مجالا للسفاسف أن تحتل العقول المؤمنة وتدمرها، فكم من مشهد نراه لمن ينشغلون وينهمكون في قضاياهم الكبيرة وأعمالهم التي تستغرق أوقاتهم وأذهانهم أو لديهم هدف يسعون للوصول إليه- حتى لو كان هدفا شخصيا دنيويا- فنجدهم قد شغلوا عن طعامهم وشرابهم ونومهم وراحتهم بل وعن بيوتهم ولذاتهم المباحة فكيف بالمحرمة!!!

يذكر الحافظ الذهبي في ترجمة عمر بن عبد العزيز رحمه الله في سير أعلام النبلاء: (أنه بعد توليه أمر الخلافة خيِر امرأته بين أن تقيم في منزلها وعلى حالها وأعلمها أنه قد شغل بما في عنقه عن النساء وبين أن تلحق بمنزل أبيها فبكت وبكت جواريها)، وكان الإمام النووي لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة واحدة بعد العشاء الآخرة لانشغاله عن الطعام ويُروى أنه سُئلَ: لِمَ لمْ تتزوَّج؟ فقال: نَسيتُ؛ وذلك لاشتغاله العظيم بتحصيل العلم ونشره.

وصدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ». رواه البخاري.

الكاتب: يحيى البوليني.

المصدر: موقع المسلم.